القائمة الرئيسية

الصفحات

الهوية الثقافية والشبكة العنكبوتية

الهوية الثقافية في زمن الإنترنت

حين يصبح العالم غرفة واحدة... فهل نحتفظ بما يُميزنا؟

مقدمة

قد يبدو الحديث عن الهوية الثقافية من اختصاص علماء الاجتماع أو الأكاديميين، لكن من يكتب ويقرأ بشغف لا بد أن يتوقف أمام هذا المفهوم الذي يتسلل إلى تفاصيل حياتنا اليومية، خاصة في عصر الإنترنت.

أنا لست باحثًا متخصصًا، لكنني قارئ نَهِم، أؤمن أن الكاتب لا يبدع إلا إذا نهل من كل بحر. لأن القلم الذي لا يغتسل في نهر المعرفة، يجف قبل أن يُنبت جملة واحدة ذات معنى.

ما الهوية الثقافية؟

الهوية الثقافية ليست مجرد تقاليد وعادات، بل هي تلك "الثوابت" التي تجعل من مجتمع ما كيانًا مستقلًا.

"الهوية هي ثوابت الشيء التي لا تتجدد ولا تتغير." — محمد عمارة

ورغم تعدد التعريفات، يبقى جوهر الهوية مرتبطًا بالسؤال الأهم: ما الذي يجعلنا نحن؟

الإنترنت... هل هو حارس الهوية أم مهددها؟

شبكة الإنترنت هي أعظم اختراع بشري خلال المئة سنة الأخيرة. بفضلها، لم تعد المعرفة حكرًا على النخبة، بل أصبحت في متناول الجميع.

أنا شخصيًا لم أكن لأتعرف على دراسات مثل بحث "الهوية والثقافة" للكاتب ناصر بن سعيد، لولا هذه الشبكة العنكبوتية، التي جعلت من البحث متعة يومية، وجعلت العالم مكتبة مفتوحة.

لكن... مع هذه الوفرة، هل حافظ الإنترنت على هويتنا الثقافية؟ أم أنه جعلها تذوب في محيطٍ لا حدود له؟

بين الانفتاح والضياع

الانفتاح على ثقافات العالم ساعدنا على فهم الآخر، واكتساب معارف جديدة، بل وربط مفاهيم غربية بجذور شرقية، كما وجدت في قراءاتي حول التأمل وربطه بعلم النفس الشرقي.

قرأت روايات مترجمة مثل البؤساء والأبله، وتأثرت بها كثيرًا. لكنني لم أشعر يومًا أنني أفقد هويتي الثقافية. على العكس، ازدادت قناعتي بأن الهوية الحقيقية لا تُهددها المعرفة، بل تُغذّيها.

لكنني أدرك أيضًا أن البعض، أمام هذا السيل اللامحدود من المحتوى، قد يفقد البوصلة. فيختلط عليه ما هو أصيل بما هو دخيل، ويبدأ في التشكيك في هويته أو التخلي عنها لصالح أخرى أكثر "لمعانًا" على الشاشات.

التكنولوجيا... بين النعمة والفتنة

الإنترنت هو نعمة عظيمة، لكنه سلاح ذو حدين. نحن نعيش اليوم في زمن "الانبهار"، حيث يبدو كل جديد أفضل، وكل غريب أعمق.

وفي هذا الزحام، يخيل لنا أحيانًا أننا على أعتاب مشهد من مشاهد القيامة، وكأن "الدابة" التي تكلم الناس، قد بدأت تظهر على هيئة شاشات تملأ أيدينا وعقولنا.

خاتمة

الهوية الثقافية لا تُورث فقط، بل تُبنى وتُحصّن. وعلى الرغم من التحديات، فإن الإنترنت لم يُضع هويتنا، بل قدم لنا فرصة نادرة لإعادة اكتشافها. أن نختار منها ما هو جوهر، ونترك ما هو مجرد قشرة.

الهوية اليوم لم تعد "سجادة تحت أقدامنا" بل صارت "بوصلة في جيوبنا"، ترشدنا بينما نبحر في هذا العالم الواسع.



تعليقات

التنقل السريع